آهااااات ومواجع في التعليم

آهااااات ومواجع في التعليم
لعل المناسبة التى أثارت فى نفسى الشجون وجعلتنى اتطرق الى هذا الموضوع هو صدور تقرير التنمية البشرية عن هذا العام والذى اخضعته امانة اعلام الوطنى للدراسة المجهرية منذ أيام فى لقاء متخصص. ورغم ان موضوع اللقاء كان مخطط له ان يكون عن الشباب الا ان المناقشات وبطريقة عفوية اخذت منحى اخر وهو قضية التعليم . وساعد على ذلك ان من بين الحضور من يؤرقهم التعليم وقضاياه وعلى رأسهم رئيس اللقاء نفسه الدكتورعلى الدين هلال، وايضا الدكتور حسام بدراوى الذى بدا محبطا وهذا غريب عليه لأنه اعتاد على زرع الأمل فى الشباب وتقوية عزيمتهم. وفى مقدمة اللقاء أشار الدكتور هلال الى أن هناك جهودا بذلت في مجال إصلاح التعليم ولكن الطريق مازال طويلا‏.‏ وأن البنك الدولي فى عام‏2007‏ أشار الى أن جهود إصلاح التعليم التي نفذتها‏14‏ دولة في المنطقة ومنها مصر لم تحقق الأهداف التعليمية المرغوبة وأن هناك فجوة بين ما تم تحقيقه في مجال التعليم وما تحتاجه هذه الدول لتحقيق أهدافها التنموية وذلك بالنظر إلي أهمية التعليم كأحد العناصر الأساسية في التنمية البشرية وبالتالى فان على وزير التربية والتعليم أن يفصح عن خطط الدولة لتطوير التعليم والارتقاء به‏,‏ ويمكن لنا أن نناقش هذه الخطط وأن نتفق أو نختلف مع بعض عناصرها ولكن المهم أن نتفق جميعا علي أن الوضع الحالي لا يمكن استمراره وأنه معوق لطموحات التنمية. كلمات قاسية لكنها هامة ... وقسوتها من واقعيتها وتشير الى أن التعليم فى مصر بالذات يجب أن ينظر اليه على أنه استثمار طويل الاجل ،معياره الأساس هو الجوده قبل التلقين وهدفه فى النهاية ربط الخرجين بسوق العمل و تصدير فائضهم الى الاسواق العربية والاوربيه و الأمريكية التى تعانى نقصا ...أى يجب أن يكون التعليم عندنا مادة تصديرية مثلها مثل البترول وخدمات قناة السويس والقطن ...الخ ، ليتطابق هذا مع التعريف الحديث للجامعة كما حدده الدكتور ديفد ليفل رئيس جامعة ييل الأمريكية العريقة والتي تتصدر التصنيف الدولى للجامعات ..حيث يقول " إنها الجامعة التي تسعى لاجتذاب الطلاب الذين يمثلون أطيافا واسعة من الثقافات والقيم المختلفة في أنحاء العالم وتبعث بطلابها إلى الخارج لتهيأتهم للعمل في أي مكان في العالم وتقدم مواد دراسية تعالج التحديات في عالم يزداد ترابطا، كما تتبنى برنامج بحثية مشتركة للارتقاء بالعلم والمعرفة أن نكون قد فشلنا فى هذا ..ويكفى ان نستمع الى الأمين العام للجامعة العربية والذى اعلنها صراحة وقال إن الناتج النهائي للتعليم في العالم العربي الآن لايمكن تسويقه دوليا في عصر العولمة ! أى ان خريجي جامعاتنا حاليا أصبحوا بضاعة راكدة والنظام التعليمي فى أى دولة بلاشك هو جزء من النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي لهذه الدولة ولا يمكن فصل هذه العناصر بعضها عن البعض الآخر وعلى المستوى الفردى اذا سألت اى طالب جامعى لماذا يتعلم لقال أن التعليم الجامعى يكسب المرء احترام ووجاهة اجتماعية، وأيضا طريق للحصول علي وظيفة تسمح له بالزواج وتكوين أسرة إلي جانب النمو المالى والترقي الوظيفي وهي كلها علي كل حال أهداف مشروعة لكنها تفتقر الى الرؤية الوطنية الأعم والأشمل وأقلها الأهتمام بمتطلبات الأمة . و العجيب أن مشكلة التعليم الجامعى فى مصر بالتحديد تبدأ وتواجه الطالب قبل دخوله الجامعة أى فى المرحلة الثانوية وأساسها الرئيسى فى نظرى هو غياب البدائل . فقبل أن يقدم الطالب أوراقة فى السنة الثانية الثانوية يسأل نفسه اسئلة مشروعة : ما هو أفضل مسار دراسي يمكن أن يحقق طموحي ويلبي رغباتي المستقبلية بعد التخرج ..؟؟ ، أي التخصصات أسهل للحصول على الوظيفة..؟ ، هل كليات شعبة العلمى أكثر قبولاً في سوق العمل.من شعبة الأدبى أم العكس .؟ هل التخصصات الجديدة مثل الأقتصاد والتجارة لغات فرصة ذهبية لا تعوض؟.الخ. ولكن الأجابات على هذه الأسئلة ليست سهلة على الأطلاق ولا يستطيع الشاب او الشابة البت فيها بدون معونة الأهل لأن ذلك على الأقل سيجنبه تحمل المسئولية الكاملة لعدم حصوله على فرصة عمل بعد التخرج ، أن العديد من التخصصات الجامعية اليوم باتت بلا مستقبل "مهني" "وظيفي، ويرى طالب الثانوى الالتحاق بالكليات الجامعية الأكثر حظاً في سوق العمل، بعيداً عن الرغبات الخاصة أو المواهب التي يتمتع بها الطالب والتي تؤهله للإبداع دون غيره. وزمان كانت نسبة الطلاب الملتحقين بالأقسام العلمية تعادل نسبة الطلاب الملتحقين بالكليات النظرية الأمر الذي يضعنا أمام حقيقة اتجاهات الدولة في الاهتمام بالبحث العلمي وتطويره بالشكل الذي يلائم ذكاء الطلاب ويرغبهم في التعليم ولكن منذ سنوات قليلة بدأت تظهر ظاهرة غريبة ومقلقة هى ما أطلق عليه ظاهرة الهروب الى الأدبى حيث نلاحظ حاليا هروباً كبيراً من جانب آلاف الطلاب من شعبتى الرياضة والعلوم إلي الشعبة الأدبي خاصة بعد التعقيدات الشديدة والصعوبة في امتحانات التفاضل والفيزياء فى الشعبة العلمية ، وبات الالتحاق بالقسم العلمي «مغامرة» محفوفة بـ«المخاطر»، ويتم ذلك بمباركة من أولياء أمورهم الذين تخلوا عن حلم التحاق أبنائهم بكليات الطب والهندسة التى لقبت فى الماضى بكليات القمة و قرار «الهروب هذا الذي اتخذه الطلاب قرار شديد الخطورة ينعكس علي مستقبل البحث العلمي والتطور التكنولوجي في مصر خصوصاً أن نسبة طلاب العلمي في الثانوية العامة تنخفض بأضطراد منذ سنوات لكن هل الامتحانات هى وحدها المسئولة عن هروب الطلبة من القسم العلمي، أم أن الطلاب أنفسهم يرغبون فى الدراسات الأدبية ؟ أعتقد ان الخوف من المجهول هو الأجابة الأكيدة لأن الطالب الذي يحصل علي 97.5% مثلا فى شعبة العلوم من الممكن ألا يلتحق بكليات القمة، والكليات الخاصة ليست بمقدور الجميع، وهو عكس توجه الدولة التي تبحث عن التعليم الجامعي لتخريج العلماء والنهوض بالمجتمع، وإذا كنا نجعلهم يهربون نحو التعليم الأدبي فمعناه أننا نمضي عكس المجتمعات لمتطورة كلها وحتى اذا دخل الطالب كلية الطب وهى درة كليات القمة، فالطالب لا يوجد عمل له سوي أن يكون طبيبًا، يعانى من البطالة غالبا بينما يستطيع خريج كلية الحقوق أو التجارة العمل في أكثر من مجال ربما بمرتب أكبر كما يحصل لخريجى اللغات عند عملهم فى البنوك الأجنبية وشركات الأتصالات ، ومن منظور قومى ووطنى أجد أن قلة الإقبال علي الأقسام العلمية ستؤثر بالقطع علي التقدم التكنولوجي لمصر ولوضعها الدولى وتقلل من مساهماتها فى التقدم العلمى الأنسانى ، ومن المؤلم ان وزارة التربية والتعليم غير مقدرة للعواقب الخطيرة التي ستنجم , وقد يكون هذا بدأ يظهر بالفعل في الأجيال الحالية، مثل ما بدا واضحًا في كليات الزراعة التي يرفض الطلاب كل عام أن يضعوها ضمن اختياراتهم في أوراق مكتب التنسيق ، وهذا يعني أن السنوات المقبلة ستكون بلا بحث علمي ولا تطور تكنولوجي وبالتالي فلن تكون هناك تنمية ، و من المتوقع هذا العام تحول طلبة الصف الثاني الثانوي علمي إلي الأدبي، لأنهم لم يحصلوا علي درجات مشجعة في مواد أساسية مثل الرياضيات والفيزياء، وهي مشكلة لن نشعر بها الآن، ولكن خلال السنوات القادمة .
ياسادة .. قديما نقل عن على بن أبى طالب قوله علموا أولادكم لزمان غير زمانكم ونحن نحتاج الى خطة واضحة للتطوير واذا اردتم الخطة ولوا وجوهكم شطر لجنة التعليم بالوطنى فلديها القول الفصل وعندها الخطة الواضحة وليكن ذلك الأن لأننا نحتاج الى وقت طويل جدا لجنى ارباح اى محاولات جادة لتطوير التعليم ،لأن صنع قنبلة نووية أو حتي إطلاق مركبة فضاء مصرية إلي القمر ربما يكون أسهل من إصلاح التعليم في مصرلأن ما يتعلق بالإنسان يأخذ عقودا إن لم يكن أجيالا لتغييره وإصلاحه , إنه يتعلق بالمفاهيم والقيم والمناخ العام الذي يسود في المجتمع ... اذا فلنبدأ الآن . واللهم لا إعتراض .